التلمساني أعلم من تلميذه فيما سأله عنه السلطان، لكنه لاعتباره تلميذه بمنزلة ولده، أراد أن ينوه به في حضرة السلطان كما لو كان ولده حقاً.
والطلبة في دستور الإسلام عرفوا كيف يقابلون هذا العطف الأبوي من أساتذتهم بما يكافئه من حرمة ومحبة وإجلال.
ومن أقدم الأمثلة على ذلك: ما رواه الشعبي: أن زيد بن ثابت صلّى على جنازة، ثم قربت إليه بغلته ليركبها، فبادر إليه عبد الله بن عباس، فأخذ بزمام البغلة ليساعده على الركوب، فقال له زيد: خل عنه يا ابنَ عم رسول الله، فأجابه ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء.
وقد حافظ ذرية ابن عباس على هذا الأدب من التلاميذ نحو أساتذتهم، بعد أن صار بنو العباس ملوك الدنيا، فقد نقل برهان الإسلام الزرنوجي، في كتاب "تعليم المتعلم"، وهذا الكتاب ترجمه (رولاند) إلى اللغة اللاتينية، وطبعه في مدينة "أوتراخت" بألمانيا قبل نحو مئتين وخمسين سنة: أن أمير المؤمنين هارون الرشيد بعث ابنه إلى الأصمعي؛ ليعلمه العلم والأدب، فرآه يوماً يتوضأ، وابن الخليفة يصب الماء على رجله، فعتب الخليفة على الأصمعي؛ لأنه لم يأمره بأن يصب الماء بإحدى يديه، ويغسل رجل أستاذه باليد الأخرى، ورأى أن تقصير ابنه في ذلك تقصير في أدب التلميذ مع أستاذه.
وروى الزرنوجي في هذا الكتاب أيضاً عن شيخه برهان الدين، صاحب "الهداقي": أن أحد كبار أئمة "بخارى" وهو في حلقة درسه في المسجد رأى ابن أستاذه يمر أمام باب المسجد، فقام له؛ تعظيماً لحق أستاذه.
وقد علمنا من سيرة ابن خلدون: أنه لما رزئ بوفاة كبار شيوخه، "وكان منهم: قاضي القضاة محمد بن عبد السلام، والرئيس أبو محمد الحضرمي،