فذكر العلم، وفيه الإشارة إلى الكفاية العلمية، وذكر الحفظ، وهو يستلزم العنصر الخلقي المطلوب في مثل هذا العمل، وهو الأمانة والإخلاص.
وقال الله -سبحانه وتعالى- مخاطباً داود:{يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[ص: ٢٦]، فذكر الحكم بين الناس بالحق، ولا يكون ذلك إلا بالعلم ومعرفة الأحكام، وشرط الانتهاء عن اتباع الهوى، وفي ذلك إشارة إلى العنصر الخلقي، ومناطه الإخلاص.
وتاريخ الولاية في الإسلام يدور في نصوصه وتطبيقها في أصلح عهوده حول هذين الشرطين، من غير نظر إلى السن والقدم؛ لأن المطلوب في العمل: الكفاية للقيام به والإخلاص فيه، وهذه هي الأهلية لولاية العلم العام في الإسلام. وقد ورد في "صحيح البخاري" من حديث أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إذا وسد الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة".
إن العلم واسع ومتشعب، ولا حدود له، والمطلوب منه في ولاية الأمور العامة: ما يحتاج إليه في حسن إدارتها، وتوخي المصلحة في شؤونها. ففي الأمور العسكرية والحربية يكون العلم المطلوب هو العلم العسكري، وفنون الحرب، وفي الأمور المالية: علوم الحساب، وتدبير المال، وفي الأمور الإدارية أو الهندسية أو الطبية أو القضائية: الإلمام الكافي بكل واحد منها لمن يتولاه بقدر ما يلزم للإحسان فيه.
ومما يدل على أن المعرفة والإخلاص هما اللذان كان الإسلام يتوخاهما في تولية العمال دون السن أو القدم: ما ذكره التاريخ من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما تم له فتح مكة -وهي يومئذ أعظم أمصار الإسلام، وفيها بيت الله، وهي وطن مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - اختاره للولاية عليها عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن