له الأمم -على اختلاف العصور- بأنه صنع من أمته أمة لا يعرف تاريخ الإنسانية أمة بلغت شأوها في فضائلها، وأقدار ساداتها وعظمة عظمائها.
إن هذا المولود العظيم - صلوات الله وسلامه عليه - ليس في حاجة إلى إحياء ذكراه وتخليدها؛ فإن الدهر يفنى ولا تفنى ذكراه الطيبة الخالدة، ولكننا نحن- معاشر المسلمين المنتسبين إليه، المغتبطين بأننا من أهل الإجابة لدعوته- فىِ أشد الحاجة لأن يذكر بعضنا بعضا بأن سعادتنا وهناءنا، وكرامتنا وقوتنا، وصدق انتسابنا إلى صاحب هذه الذكرى، كل ذلك موقوف على أن نعود إلى الأخذ برسالته وأنظمتها: في أنفسنا، وييوتنا، وأسواقنا، ومجتمعاتنا، ومحاكمنا ودور حكمنا، في كل ما اشتملت عليه هذه الرسالة الكاملة من أغراض ومبادئ وأخلاق، وأحكام ومقاصد.
علينا أن نحتفل اليوم بإحياء ذكرى (رسالة الإسلام) في عمومها وشمولها. وأول المظاهر فىِ إحياء هذه الذكرى: أن نتخذ الأسباب للعمل بها، وأول العمل بها أن يعمل بها كل مسلم في ذات نفسه، وفيما بسط الله عليه سلطان مسؤوليته وولايته من أهل وولد، أو أمة وبلد.
إن الرسالة التي بعث الله بها صاحب هذه الذكرى - سلام الله ورحمته عليه - تنحصر في كلمتين اثنتين هما:(الحق)، و (الخير)، وإن وراء هاتين الكلمتين من مدلولات المعاني والأماني ما لا آخر له، ومجموع ذلك هو الإسلام الذي بعث الله به صاحب هذه الذكرى - صلى الله عليه وسلم -، ولا نعرف أحداً يخالف الحق والضرِ، أو يمتعض منهما، ويعارض في إقامتهما وظهورهما، إلا أن يكون مبطلاً، أو شريراً. ولذلك كانت رسالة الإسلام عامة إلى جميع الأمم في كل زمان ومكان.