ومن مظاهر كون الإسلام دين الفطرة: أنك مهما استقصيت أوامره، لا تجده يأمر إلا بما فيه مصلحة عامة، ومهما أحصيت نواهيه، لا تجده ينهى إلا عما فيه مفسدة، والإسلام يترك غير المسلمين يتحاكمون إلى أهل ملتهم، وإذا تحاكموا لدى القاضي المسلم، حكم بينهم، أو بينهم وبين المسلمين بالعدل؛ فإن العدل تابع للتحاكم، لا للإسلام، وذلك شأن دين الفطرة.
وقد توصل علماء الإسلام إلى أن يستخرجوا من مجموع نصوص الشريعة وأحكامها قواعد عامة؛ كاستخراجهم قاعدة: الضرر يزال، من مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ضرر ولا ضرار"، ويتفرع على ذلك أحكام لا تحصى في الفقه والقضاء.
ثم قال: إن القواعد شأنها أن تؤخذ من موارد متعددة في الشريعة، ولهذا كانت في نفسها قطعية، وإنما الظن القوي في تطبيقها، وذلك كاف في حق المجتهد.
وقد يرى واضع القانون الضرر الصغير في الواقع، فيمنعه، ويبيحه الشارع؛ لأنه وقاية من ضرر كبير، ومن هنا نشأت قاعدة:"ارتكاب أخف الضررين لما، ومن أصولها قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا] [الكهف: ٧٩]؛ فإن عيب السفينة ضرر، لكنه أخف من أخذها غصباً.
وينظر بعضهم إلى مصلحة تظهر من شيء، ولا تقع أنظارهم على المفاسد التي تنجم عنه، فيظهر لهم أنه أحكم من منعه؛ نظراً إلى مفاسده، ومن هنا نشأت في الشريعة قاعدة: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" ومن ذلك ما يدعيه القائلون بإعطاء المرأة حقوق الرجل السياسية؛ فإنهم نظروا