وقد يسمي المنتمي للعلم من هؤلاء تملقه للظالمين أو المخالفين الغاصبين مداراة ليقضي بعض المآرب الشخصية، وربما زعم أنه يقضي بهذا التملق مصالح وطنية، والواقع أن اتصال العالم بالمخالفين الظالمين، وهو يستطيع أن لا يتصل بهم، وصمة في عرضه لا يغسلها ماء، وجناية على الدين خاصة والأمة عامة، أما أنه وصمة في عرض هذا العالم، فلما عرف عن الظالم أو الغاصب أنه لا يقبل بوجهه ولا يضع يده إلا في يد من اختبر سرائرهم ووثق من إخلاصهم، وأما أنه جناية على الدين، فلأن ذلك الاتصال الآخذ اسم الصداقة للغاصب خروج عن الدين الذي ينهي عن مودة أعدائه، وأما أنه جناية على الأمة عامة، فإن هذا المنتمي للعلم لا يتحامى أن يرضي المتغلبين المخالفين بالمساعدة على أعمال يفسدون بها على الأمة أمر دينهم أو دنياهم.
إن واجبات أساتذة التربية ودعاة الإصلاح في هذا العهد، أن يعنوا بتطهير نفوس النشء وقلوب الشباب من هذا الخلق الذميم، خلق المداهنة، وينفوه من أرضنا وتكون أوطاننا ومدارسنا منابتها نشء يميزون المداهنة من المداراة، فيخاطبون الناس في أدب رقيق وشجاعة نبيلة، ويحترمون من لا يلوث أسماعهم بالملق ولا يكتمهم الحقائق متى اتسع المقام لأن يحدثهم بها في صراحة ووضوح.
وسكت الشيخ الأكبر، وعاد بعد هنية يقول: أظن أنني قد أوضحت رأي الشريعة الإسلامية في هذا الخلق الذميم الذي يمشي به بعض الناس في هذا العصر، وما دروا أنهم يجنون على أنفسهم بآثاره، قبل أن يجنوا على غيرهم من الناس.