وكتب طاهر بن الحسين في كتاب وصيته الذي بعث به إلى ابنه عبد الله بن طاهر: وليكن كرم دخلائك وخاصتك عليك من إذا رأى عيباً لم تمنعه هيبتك من إنهاء ذلك إليك في ستر، وإعلامك بما فيه من النقص، فإن أولئك أنصح أوليائك ومظاهريك لك.
ولما ابتنى الخليفة عبد الرحمن الناصر، الأموي صرح (القبيبة) في قصر الزهراء، اتخذ لسطحه قراميد من ذهب وفضة، وجلس فيه أعيان الدولة، وكان مما قاله لهم مفتخراً: هل رأيتم أو سمعتم من فعل هذا قبلي؟ فقالوا: إنك الأوحد في شأنك كله. ثم تكلم القاضي المنذر بن سعيد، فوعظ الخليفة وعظأ بليغاً، وتلا عليه قول الله -عَزَّ وَجَلَّ- {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ}[الزخرف: ٣٣]. فأطرق الناصر ملياً، ثم أقبل على المنذر بن سعيد وقال له: جازاك الله يا قاضي عنا وعن نفسك خيراً، وعن الدين والمسلمين أجل جزاء، فالذي قلت هو الحق. وقام من مجلسه ونقض سقف (القبيبة) وأعاد قرمدها تراباً. والأجلاء من علماء الإسلام الذين كانوا يداخلون رجال السياسة فينعقد بينهم التئام أو صداقة، كانوا يأخذون بسنة المداراة، ولم يكونوا فيما قرأناه من سيرتهم، يتلطخون برجس المداهنة، ولو شئنا أن نضرب الأمثال على ذلك من التاريخ لامتلأت بفضائلهم المجلدات.
ويحدثنا التاريخ أن بعض المنتمين إلى العلم من عبيد الدنيا، كانوا يتملقون أولي الأمر من المسلمين، وقد يفتونهم بغيو ما أنزل الله، ومنهم من يتملق الغاصبين ويرضى أن يكون جسراً يعبرون عليه إلى قضاء مآربهم التي يكيدون بها للإسلام والمسلمين.