للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأعمال، فهي أحوج إلى النية الوثيقة الثابتة الصادقة ليكون ما يصدر عن الإنسان من الأعمال في حياته تبعاً لها لا تحيد عنها مهما غالبته الظروف، ولا ينحرف عن اتجاهها ما استطاع، وإن انحرفت به الأهواء والمؤثرات. وطالب العلم الإسلامي إذا نوى من بدء حياته أن يقتصر على مطالب العيش ومتاع الدنيا بقي هدفه محدداً بهذا النطاق الضيق، وعاش على هامش الحياة عيشة تتناسب مع نيته، وكان في نظر نفسه -ثم في أنظار الناس- موزوناً بهذا المقدار، لا ينخدع به الناس بأكثر من ذلك، ولا يستطيع أحد أن يخدعه عن نفسه بأنها فوق ذلك. أما إذا نوى طالب العلم الإسلامي أن يعيش مكافحاً عن حقائق الإسلام -مهما كانت- وعن حقوق المسلمين حيثما كانوا، فإن حياته كلها تصبح حينئذ حياة عبادة، ويكون قدره عند الخالق والخلق متناسباً مع قدر النية القدسية التي عاش على ضوئها، وعوَّل على السير في الحياة بتوجيهها.

يقول فضيلة الأستاذ الأكبر شيخنا السيد محمد الخضر حسين متعه الله بالقوة والعافية والتوفيق:

ولولا ارتياحي للنضال عن الهدى ... لفتشت عن واد أعيش به وحدي (١)

ونحن تلاميذه، ومعنا إخواننا من طلبة الجامع الأزهر وكلياته ومعاهده


(١) ديوان الإمام "خواطر الحياة" البيت الأخير من أبيات تحت عنوان (الصداقة والعزلة) يقول في مطلعها:
أريد أخاً كالماء يجري على الصفا ... نقياً فيصفو لي على القرب والبعد
وفي هذا المعنى، له أبيات قالها (في الحبس) عندما سجنه جمال باشا في دمشق لأسباب سياسية ومنها:
أنا لولا همة تحدو إلى ... خدمة الإسلام آثرت الحماما