وقال القاضي أبو بكر بن العربي:"لم أر من أهل الحديث من صنَفَ فأفرد للأمثال باباً غير أبي عيسى، ولله درُّه، لقد فتح باباً، وبنى قصراً أو داراً، ولكنه اختط خطاً صغيراً، فنحن نقنع به، ونشكره عليه".
فللأمثال أثر بليغ في تلقي الدعوة بالقبول، لذلك أحرزت بين الأساليب التي يتحراها القرآن في هدايته منزلةً سامية.
ولما دعاني حضرات الفضلاء جماعةُ المحاضرات بكلية اللغة العربية إلى إلقاء محاضرة بالكلية، آثرت أن يكون موضوع المحاضرة: أمثالَ القرآن الكريم. فلا جرمَ أن نوجه النظر إلى البحث عن معنى المثل، ثم إلى البحث عن فوائد ضرب الأمثال، فتحقيق معنى المثل، وبيان الحكمة من ضربه، هما الغرضان اللذان نرمي إليهما في هذه المحاضرة.
* المثل في اللغة:
يستعمل المثل في أصل اللغة بمعنى التشبيه والمِثْل، ثم قالوا للقول السائر الممثل مضربه بمورده: مثلاً.
والمثل بهذا المعنى هو الذي ألّفَ فيه علماء اللغة كتب الأمثال، كأبي عبيدة، وابن حبيب، وابن قتيبة، وابن الأنباري، وأبي هلال، والميداني.
ولما كان العرب لا يضربون الأمثال إلا بقول فيه حُسن وغرابة، نقلوا لفظ المثل إلى معنى ثالث هو: الشأن الغريب، والقصة العجيبة، وبهذا المعنى فسر لفظ المثل في كثير من الآيات؛ كقوله تعالى:{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ}[محمد: ١٥].
ونبّه الزمخشري لهذه المعاني الثلاثة، ودلَّ على أنها وردت في اللغة