على هذا الترتيب، فقال في "كشافه": "والمثل في أصل كلامهم بمعنى المثل والنظير، ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده: مثل، ولم يضربوا مثلاً، ولا رأوه أهلاً للتسيير، ولا جديراً بالتداول والقبول إلا قولاً فيه غرابة من بعض الوجوه، ثم قال: وقد استعير المثل للحال، أو الصفة، أو القصة إذا كان لها شأن، وفيها غرابة".
وكذلك يقول السعد التفتازاني في "الشرح المطول": "ولكون المثل مما فيه غرابة، استعير لفظه للحال، أو الصفة، أو القصة إذا كان لها شأن غريب، ونوع غرابة؛ كقوله تعالى:{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ}[محمد: ١٥]؛ أي: فيما قصصنا عليكم من العجائب قصة الجنة العجيبة".
وحدث بعد هذا أن ذهب علماء البيان في تعريف المثل إلى معنى رابع، إذ قالوا في بحث المجاز المركب: إن المجاز المركب الذي تكون علاقته المشابهة متى فشا استعماله، سُمِّي: مثلاً، وإلا سُمِّي: مجازاً مرسلاً، وقالوا: فما لم يكن استعارة، أو لم يفشُ استعماله، فليس بمثل عندهم، فالمثل إذاً هو: المجاز الذي تكون علاقته المشابهة، ويفشو استعماله.
وإنما قلنا: إن ما ذهب إليه البيانيون معنى رابع للمثل، وليس هو المعنى الذي يريده المؤلفون في أمثال العرب، ذلك أن المؤلفين في الأمثال لا يقصرون المثل على ما يكون استعماله من قَبيل الاستعارة؛ نحو قولك للمتردد في فعل أمر:"مالي أراك تقدِّم رِجلاً، وتؤخر أخرى؟ "، وقولك لمن ترك شيئاً عند سنوح الفرصة لإدراكه، ثم قام يسعى إليه بعد فوات الفرصة:"الصيفَ ضَيَّعْتِ اللبنَ". بل يطلقون المثل على كلام شائع؛ لحسنه، أو لاشتماله على حكمة بالغة، فيتناول كلاماً يكون استعماله في مضربه على