وجرى على هذا النحو حتى قال له: فهل تجد فيه: لا تلد الحية إلا حيَّةً؟ قال: قال تعالى: {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}[نوح: ٢٧]
وأجد فيما مرّ عليَّ من هذا النوع: أنه ذُكر الظلم في مجلس ابن عباس، فقال كعب: إني لا أجد في كتاب منزل "أن الظلم يخرب الديار"، فقال ابن عباس: أنا أوجدكه في القرآن؛ قال تعالى:{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا}[النمل: ٥٢].
وقال شخص لآخر: أين تجد في القرآن: "الجار قبل الدار"؟ قال: أجده في قوله تعالى: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ}[التحريم: ١١].
وبمقتضى هذا يصح لنا أن نقول: من أمثال القرآن الكامنة: "خير الأمور أوساطها"، ومن أمثاله الكامنة:"من جهل شيئاً عاداه"، ومن أمثاله الكامنة:"لا تلد الحية إلا حيّة".
إذاً يعد من أمثال القرآن في نظر السيوطي والماوردي: أقوال لا تشتمل على استعارة أو تشبيه، إذ لا يقول أحد: إن في قولهم: "خير الأمور أوساطها"، أو قولهم:"من جهل شيئاً عاداه"، أو قولهم:"الجار قبل الدار" استعارة أو تشبيهاً.
فأمثال القرآن لا يستقيم حملها على أصل المعنى اللغوي الذي هو الشبيه والنظير، ولا يستقيم حملها على معنى الأمثال عند من ألَّفوا في الأمثال، إذ ليست أمثال القرآن أقوالاً استعملت على وجه تشبيه مضربها بموردها، ولا يستقيم حملها على معنى الأمثال عند علماء البيان، إذ المثل عندهم ما استعمل على وجه الاستعارة، وفشا استعماله، ومن أمثال القرآن ما ليس باستعارة، ثم هي أمثال من وقت نزولها، فلم يتحقق فيها إذ ذاك