وجرت في تونس بعد هذا فتن وحروب عطلت سير العلم، وأتلفت كثيراً من خزائن الكتب حتى كادت المئة العاشرة تنقضي دون أن يكون هنالك رجال لهم في الفقه أقدام راسخة، وأنظار ثاقبة.
وفي آخر المئة العاشرة التحقت تونس بولايات الدولة العثمانية. ويقول المؤرخون: أول من كسا القضاء فيها عظمة وكرامة بعد الاستيلاء العثماني: أبو الحسن النفاتي المتوفى سنة ١٠٤٩.
وكان القضاة بعد هذا يبعثون من البلاد التركية، وهم متفقهون على مذهب أبي حنيفة، وورد غيرهم من العلماء، فشدوا أزر النهضة العلمية، فسارت في قوة ونشاط، وأخذت تونس تخرج كبار الفقهاء؛ مثل: الشيخ محمد زيتونة، والشيخ محمد سعادة.
ومن هنا رأى الأمير محمد حسين باي أن البلاد في غنى عن القضاة الذين يبعثون من الآستانة، وعين من الوطنيين قاضياً مالكياً، وقاضياً حنفياً، وكان هذا الأمير يصطفي لمجلسه صفوة العلماء، فأقام للعلم سوقاً نافقة، وما أقبلت المئة الثالثة عشرة حتى كانت تونس عامرة بأجلة الفقهاء. وجاء الأمير أحمد باي، ونظم التعليم بجامع الزيتونة سنة ١٢٥٦ هـ، فازدادت النهضة العلمية قوة على قوتها، واشتهرت بيوت بإقبال أبنائها على العلم، وتوليهم للمناصب الشرعية، كآل النيفر، وآل عاشور بين فقهاء المالكية، وآل بيرم، وآل أبي الخوجة بين الفقهاء الحنفية.
كان نظام التعليم بالمعهد الزيتوني من أسباب تنافس أصحاب المذهبين: المالكي، والحنفي في ميدان العلم، ويضاف إلى هذا: أن في العاصمة محكمة