مالكية، ومحكمة حنفية، وكل منهما يتألف من قاض، ورئيس للفتوى، وثلاثة أو أربعة من المفتين، أما القضاة والمفتون في سائر البلاد، فيعينون من الفقهاء المالكية، نظراً إلى أن المذهب المالكي هو الذي يأخذ به معظم الوطنيين.
وقد أخرج جامع الزيتونة بعد هذا النظام فقهاء أجلة، يعتزون بعلمهم، ويزهدون في المناصب، إلا أن تحيط بها العزة والكرامة، وأدركت من هؤلاء الفقهاء أساتذة بلغوا غاية بعيدة في سعة العلم، وتحقيق البحث؛ مثل: الشيخ عمر بن الشيخ، والشيخ أحمد بن الخوجة، والشيخ محمد النجار، ومن نظر في فتاوى هؤلاء الأساتذة، أو رسائلهم التي حرروا بها بعض المسائل العويصة، رآهم كيف يرجعون إلى الأصول والقواعد ومراعاة المصالح، ولا يقنعون بنقل الأقوال دون أن يتأوَّلوها بالنقد والمناقشة.
ويدلنا التاريخ القريب أن بعض رجال الدولة وجدوا عندما اتجهوا إلى إصلاح الحالة السياسية أو العلمية أو الاجتماعية فقهاء يدركون مقتضيات العصر، ويعرفون كيف تسعها أصول الشريعة بحق، فكانوا يعقدون منهم بعض لجانهم، ويستنيرون بآرائهم؛ مثل أساتذتنا: الشيخ عمر بن الشيخ، والشيخ سالم أبي حاجب، والشيخ مصطفى رضوان.
وما زال الرسوخ في الفقه، وربط الأحكام بأصولها، من عناية الأساتذة في جامع الزيتونة، يشهد بهذا ما نقرؤه من محاضراتهم وفتاواهم ومقالاتهم التي تنشر في الصحف التونسية أو المصرية.
وإذا كان لهذا الحديث خلاصة، فهي: أن كثيراً من فقهاء تونس كانوا يدرسون الفقه بأنظار مستقلة، وآراء تستضيء بالأدلة، وكانوا يتنافسون في هذه الطريقة، ويتفاوتون فيها على قدر تفاضلهم في العبقرية وسموِّ الهمة.