ما على الصب في الهوى من جناح ... أن يُرى حلف عَبرة وافتضاح
أما المئة التاسعة والعاشرة، فقد انقطعت عنا أخبار أدبائها؛ لما كان يحدث في تونس من الحروب والفتن السياسية، وإنما وصل الباحثون في تاريخ الأدبي التونسي إلى طائفة قليلة جدّاً؛ مثل: أحمد بن عبد الرحمن بن الخلوف، ومثل: أبي الفتح محمد بن عبد السلام، ولهذا العالم الأديب قصيدة يتحسر فيها على ما حل بتونس لذلك العهد من حوادث اضطربت لها الحالة العلمية والسياسية.
ورجع الأدب في المئة الحادية عشرة إلى الظهور، وأخذ التاريخ يحدثنا عن رجال عاشوا في ذلك العهد، وكانت لهم في الأدب أقدام راسخة؛ مثل: الشيخ محمد فتاتة. واتصل أدب هؤلاء بأدب المئة الثانية عشرة، فكان حظ هذه المئة فوق حظ المئة السالفة. ومن أعيان أدبائها: الشيخ حمودة بن عبد العزيز، والشاعران البارعان: أبو عبد الله محمد الورغي، وأبو الحسن علي الغراب، ولكل منهما ديوان معروف عند التونسيين.
وكان لنهوض الأدب في المئة الثانية عشرة أثر كبير في رواج سوقه في المئة الثالثة عشرة، ومن أدباء ذلك العهد: الشيخ محمد الخضار، والشيخ إبراهيم الرياحي، والشيخ بيرم الرابع، والشيخ محمود قبادو، ولهؤلاء دواوين من الشعر، والذي طبع منها: ديوان الشيخ محمود قبادو، وهو أول من أخذ ينحو بالشعر نحو ما يقتضيه حال العصر، وأذكر من قصيدة له يحث فيها الأمة على مسايرة الأمم المجدة في إعداد وسائل القوة والعظمة:
لعمري ليس الميت من أودع الثرى ... ولكن مطيق للغنى بان عدمه