بين المعاهد الثلاثة كما تقتضي مصلحة الأمة على متانة وصفاء.
وقد رأيت أن أمر بنظرة قصيرة على حال العلم منذ نشأته في تلك البلاد إلى أن دخل جامع الزيتونة في هيئته النظامية؛ لنرى كيف كان العلم هنالك ضارباً بشعاعه منذ أعصر قديمة، وإن اختلفت حالته قوة وضعفاً، وظهوراً وخمولاً.
* نشأة العلم في البلاد التونسية:
كان الذين يعمرون البلاد التونسية والجزائرية والمراكشية صنف البربر، ولكن بعد الفتح الإسلامي هاجر إليها خلق كثير من العرب الخلص، فانتشرت هنالك اللغة العربية، وأصبح سكان تلك البلاد بعد هذا الاختلاط أقواماً مستعربين، إلا قبائل متفرقة، معظمها بالمغرب الأقصى، ويعضها في الجزائر، وقليل منها في تونس.
وإذا نحن رجعنا إلى التاريخ؛ لنعلم كيف أخذت العلوم الإسلامية تنتشر في تلك البلاد، نجد أن الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ندب عشرة فقهاء من أعيان التابعين، وبعثهم إلى أفريقية؛ ليعلموا البربر واجبات الدين وأحكامه.
وكان رئيس هؤلاء المبعوثين: أبا عبد الرحمن عبد الله الحبلي، ومن بينهم: أبو الجهم عبد الرحمن بن رافع التنوخي، وهو أول من ولي القضاء بالقيروان.
ومن ذلك العهد ابتدأ أهل تونس يرحلون إلى الشرق لتلقّي ما فيه من علوم، ومن هؤلاء الراحلين: عبد الرحمن بن زياد المعافري: رجل قروي من جماعة من التابعين، وكان قد صحب أبا جعفر المنصور طلب العلم، وعاد إلى القيروان بعلم غزير، وأدب جم، حتى تقلد أبو جعفر المنصور