وليس من شك في نفور الطباع من أكل لحم الأخ وهو ميت، فينبغي أن يكون نفوره من الغيبة بمقدار هذا النفور.
ويضرب المثل لمدح الممثَّل؛ حيث يكون في الممثَّل به صفات تستحسنها النفوس، وتمدح من يحرز مثلها؛ كما ضرب الله مثلاً لحال الصحابة - رضي الله عنهم -، فقال تعالى:{ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}[الفتح: ٢٩].
فالزرع يُخرج شطأه، وهو ما تفرع في شاطئيه -أي: جوانبه-، ثم يقوى، ويستغلظ -أي: يصير بعد الدقة غليظاً-، وكذلك حال الصحابة؛ فإنهم كانوا في بدء الأمر قليلاً، ثم أخذوا في النمو حتى استحكم أمرهم، وامتلأت القلوب إعجاباً بعظمتهم.
ويضرب المثل للذم؛ حيث يكون للمثَّل به صفة يستقبحها الناس، ويذمّون مَنْ رضي لنفسه بمثلها؛ كما ضرب الله مثلاً لحال من آتاه الله كتابه، فنكث يده من العمل به، وانحط في أهوائه، فقال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الأعراف: ١٧٥، ١٧٦]، فقد مثَّلت الآية حال العالِم المنحط في أهوائه بحال الكلب الذي هو أخبث الحيوان، وأخسها نفساً, ذلك أن المنحط في أهوائه شديد اللهف على الدنيا، قليل الصبر عنها، فلهفه نظير لهف الكلب الدائم في حال إزعاجه وتركه.
ويضرب المثل في مقام الاحتجاج؛ حيث يلزم من تسليم الممثَّل به،