المآخذ في الشعر ما لا يتنبه له إلا ذو ألمعية متقدة، وكان المعز بن باديس نفسه يباري الأدباء في هذا المجال، فيبدي لبعض الشعراء عثرات قد يخفى عليهم مكانها، وهم من أبصر الناس بصناعة الشعر، وأدراهم بوجوه نقده، ومما يساق مثلاً لهذا: أن ابن رشيق أنشده قصيدته التي يقول أولها:
تثبت لا يخامرك اضطراب ... فقد خضعت لعزتك الرقاب
فعاب المعز قوله في هذا البيت:
"تثبت"، وقال له: متى عهدتني لا أتثبت!
أيها السادة!
هذا الحديث نبهنا به لنهضة الشعر بتونس في القرن الخامس؛ وإذا كانت صروف الأيام قد جعلت البلاد بعد ذلك العهد لا تنبت من الشعراء المبدعين إلا قليلاً؛ فليس ببعيد أن يكون لتلك النهضة الفذة أثر في رقي الشعر التونسي لعهدنا هذا؛ حتى تقف تونس في صف أخواتها: مصر والشام والعراق؛ فإن القوم الذين يشعرون أن لأسلافهم ضرباً من شواهد النبل والفخار جالت فيه يد الحوادث، يجدون من الحرص على إحيائه؛ والجد في رفع بنائه، ما لا يجد مثله العاملون لإنشاء فخار لا عهد لهم به من قبل.
وقد ظهر في شباب تونس اليوم أدباء ينحون في الشعر نحو الإجادة، بل الإبداع؛ وكأني بعهد الحصريين، وابن شرف، وابن رشيق، قد عاد؛ ولكن في زي يلائم روح هذا العصر؛ وأرجو أن يسير مع المدنية الفاضلة شبراً بشبر، وذراعاً بذراع؛ ولله الأمر من قبل ومن بعد.