أن هذا من قبيل التمثيل موجود، وأن البرّة "الحبة من البر" قد تبلغ في الأرض القوية المغلة أن تنبت سبع سنابل في كل سنبلةٍ مئة حبة، وعلى فرض أن لا يرى النّاس حبّة بلغت في الإنبات هذا المبلغ، لم يكن في تمثيل القرآن بها من بأس.
وقد يضرب القرآن المثل بأمر موجود على حال حُسن أو قُبح، والناس يعتقدونه على ما هو عليه من حسن أو قبح، وإن لم يروه بأبصارهم، ولكنه يحضر في أذهانهم بصورة جميلة، أو صورة قبيحة، فيكون التمثيل به تمثيلاً بأمر موجود، وصورته الحاضرة في الأذهان مطابقة للواقع من حيث حسنها أو قبحها، ومثل هذا قوله: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات: ٦٤، ٦٥]، فالشيطان شخص حي، ولكن المخاطبين لم يروه بأبصارهم، وجاء التمثيل في هذه الآية على ما اعتقدوه اعتقاداً مطابقاً من قبح صورته، وعلى هذا النحو يجري التمثُّل بالمَلَكِ في قوله تعالى:{مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ}[يوسف: ٣١]، فإن التمثيل جار على ما تصوروه من حسنه، وهذا التصور صادق لا محالة.
وإن تعجب، فاقضِ العجبَ ممن يعمد إلى قصة في القرآن، قصها الله تعالى؛ لما فيها من عبرة وحكمة، ويجرؤ على أن يقول:"إن هذه القصة وردت على طريقة التمثيل"! يقول هذا، وليس بيده شاهدٌ من الآية نفسها، ولا دليلٌ سمعيُّ من غيرها، ولا أن العقل السليم ينكر أن تكون واقعة؛ كما قال بعضهم هذا القول في قصة الملائكة، وسجودهم لآدم - عليه السلام -.
ولو فتح هذا الباب من التأويل الجامح، لاتخذه ضعفاء الإيمان وسيلة إلى جحود كثير من الحقائق؛ حيث يحملون آياتها على أنها تمثيل، ويخترعون