للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طبقات البلاغة.

إذا ضرب الله مثلاً، فهل يجوز أن يراد من ذلك المثل: المعنى الذي سيق من أجله؛ نحو: التقرير، أو التحسين، أو التقبيح، ولا يلزم أن تكون صورة الممثّل به واقعة في نفس الأمر؟!

ذهب فريق إلى جواز ذلك، فترون الزمخشري - وهو ينكر أن يصرع الشيطان الإنسان - يقول في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: ٢٧٥]: "تخبُّطُ الشيطان من زعمات العرب، يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرعه، فورد على ما كانوا يعتقدون".

أو يقال: إن الله لا يضرب المثل إلا بما يقع، حتى إذا ضرب المثل بشيء، أمكننا الاستدلال بالتمثيل على وقوع ذلك الشيء، وهذا ما يقوله جمهور أهل السنَّة، ونحن نستبعد أن يمثل الله تعالى بأمر يزعمه النّاس زعماً باطلاً؛ فإن التمثيل به دون تنبيه على بطلانه لا يلائم ما عرف في هداية القرآن، ومن هنا قرر المحققون من الأصوليين قاعدة هي: أن ما يقصه القرآن من قول يتضمن رأياً، ولا يقرنه بتنبيه على بطلانه، أو يكون قد نبَّه عليه من قبل، فإنه يعد حقاً لا محالة.

فالقرآن لا يمثّل بشيء يزعمه العرب زعماً باطلاً، ولكنه قد يمثّل بشيء لا يدخل في قبيل المزاعم الباطلة، وإنما هو شيء يصفه بصفات مفهومة الحقائق، ممكنة الوقوع، وإن لم تقع عليها أعين النّاس مجتمعة، فالله تعالى يقول: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} [البقرة: ٢٦١]، فقد ذكر طائفة من الباحثين