وبعد أن وقعت الخلافة في يد معاوية بن أبي سفيان، بعث إلى إفريقية (١) جيشاً يقوده معاوية بن أبي حديج الكندي، ففتح منها بلاداً كثيرة، ثم عاد إلى مصر، وخلفه عقبة بن نافع الفهري، فجعل من فاتحة أعماله أن خطط تلك المدينة التي تسمى:"القيروان"، وهي واقعة من مدينة تونس في ناحية الجنوب، تبعد عنها بمسير خمس ساعات في سكة الحديد، وتقدر هذه المسافة في القديم بنحو مئة ميل.
* الحالة السياسية:
ظلت القيروان منذ أنشأها عقبة بن نافع عاصمة أفريقية، وظل ولاتها يفدون عليها من قبل الخليفة في الشرق إلى أن اضطرب حبل الأمن, وحل بعض الزعماء فيها وكاء الفتنة، فبعث أبو جعفر المنصور جيشاً على رأسه محمد بن الأشعت سنة ١٤٤ هـ، فأخمد الثائرة، وصارت ولاية أفريقية عقب هذا إلى المهلبيين، ومنهم: يزيد بن حاتم الذي مدحه ربيعة الرقي بالشعر المتداول:
لَشتانَ ما بين اليزيدينِ في الندى ... يزيدِ سُليمِ واليزيدِ بنِ حاتمِ
ثم إلى الأغالبة، ومؤسس دولتهم إبراهيم بن الأغلب، وكان إبراهيم هذا قد رغب إلى الخليفة هارون الرشيد في أن يمنحه إمارة أفريقية، فأجاب رغبته، وكتب له عهد الإمارة سنة ١٨٤، فاستقل بشؤون أفريقية الداخلية، وأقام دولة يقال لها: دولة بني الأغلب، وكان يجمع في سياسته بين الحزم والرأفه، ويضيف إلى هذه الخصلة الحميدة علماً وأدباً، فامتدت
(١) تطلق إفريقية على ما بين برقة وطنجة، وقد تطلق على القيروان؛ لأنها كانت عاصمة ملك أفريقية.