في أيامه ظلال الأمين وألقت إليه القبائل بحسن الطاعة حتى توفي سنة ١٩٦، فخلفه ابنه عبيد الله، وذهب في سياسته مذهب الشطط والعسف، وما لبث أن هلك، وصار الأمر لأخيه زيادة الله، فبايعه الأهالي سنة ٢٠١، ثم جاءه التقليد من قبل الخليفة المأمون، وكان زيادة الله فصيح المنطق، مكيناً في العربية وآدابها، وفي عهده تولى أسد بن الفرات قضاء القيروان، وقيادة الجيش الفاتح لصقلية.
فأسد بن الفرات عاش ما بين مدينتي القيروان وتونس أيام تداول سياسة ذلك القطر المهلبيون، ثم الأغالبة، وفي كلتا الدولتين رجال علم وأدب وهمم سامية، وذلك مما ينهض بأمثال أسد في النباهة والذكاء إلى أن يكون من عظماء الرجال الذين يذكرهم التاريخ بتمجيد وإجلال.
* الحالة العلمية:
لأهل تونس -في العهد الذي نشأ فيه ابن الفرات وما يقرب منه- عناية بالعلوم الإِسلامية، فكانوا يرحلون إلى بلاد الشرق للأخذ من علمائها، ومن أشهر هؤلاء الراحلين: أبو البقاء عبد الرحمن بن زياد بن أنعم المعافري؛ فإنه رحل إلى الشرق، وأخذ عن جماعة من التابعين، ثم عاد إلى القيروان، وبث ما عنده من علم، ورحل مرة أخرى إلى العراق، واجتمع بأبي جعفر المنصور، وهو يومئذ الخليفة، وكان قد عرفه أيام رحلته الأولى، وصاحبه في طلب العلم، فعرض عليه الخليفة المقام ببغداد، فأبى، فقلده قضاء القيروان، وتوجه في جيش ابن الأشعث الذي سار لقمع ثورة البربر بأفريقية.
وكان عبد الرحمن هذا في طليعة العلماء الذين نشروا في البلاد التونسية علماً وأدباً، وظهروا بالإقدام على نصيحة ولاة الأمور، ومن آثاره الأدبية: