للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله في أبيات نظمها خطاباً لابنه أنعم حين أخذ في التوجه من العراق إلى القيروان:

ذكرت القيروان فهاج شوقي ... وأين القيروان من العراق

مسيرة أشهر للعير نَصّاً ... وللخيل المضمرة العتاق

فبلغ أنعماً وبني أبيه ... ومن يرجو لنا وله التلاقي

بأن الله قد خلَّى سبيلي ... وجدَّ بنا المسير إلى فراق

وهذه الأبيات -على سهولة لفظها، وقرب مأخذها- تدل على أن لصاحبها قدماً في الأدب راسخة.

ومن دلائل إقدامه على نصيحة أولي الأمر: أنه حين دخل على أبي جعفر المنصور قال له: كيف رأيت ما وراء بابنا؟ قال: رأيت ظلماً فاشياً، وأمراً قبيحاً، قال له أبو جعفر: لعله فيما بَعُد من بأبي، قال: بل كلما قربت، استفحل الأمر وغلظ، قال: ما يمنعك أن ترفع ذلك إلينا، وقولك مقبول عندنا؟ قال: رأيت السلطان سوقاً، وإنما يرفع إلى كل سوق ما ينفق فيه، قال له: كأنك كرهت صحبتنا! قال: ما يدرك المال والشرف إلا من صحبتكم، ولكني تركت عجوزاً، وإني أحب مطالعتها، فولاه قضاء أفريقية، وتوجه في جيش ابن الأشعث كما قصصنا.

وظهر بعد عبد الرحمن هذا طبقة من أهل العلم راقية، رحلوا إلى الشرق، وأخذوا عن مالك بن أنس؛ كعبد الله بن أبي حسان اليحصبي، وعبد الله بن غانم، وعبد الله بن فروخ، وعلي بن زياد الذي هو أحد أساتذة أسد بن الفرات.

فأسد بن الفرات شب وعاش في بيئة علم واسع، وأدب غزير، وقد