ساعدته هذه البيئة على أن يكون انتفاعه من الرحلة التي تقلبت به في الحجاز والعراق والقاهرة عظيماً سريعاً، وسنقص على حضراتكم شيئاً من أنبائها، وأنباء ما عاد به إلى وطنه من علم وافر نبيل.
* مولد أسد ونشأته:
المعروف من نسب أسد أنه أسد بن الفرات بن سنان مولى سليم، وأصله من نيسابور أحد أعمال خراسان، وكان أسد يقول على وجه الاستملاح: أنا أسد، والأسد خير الوحوش، وابن الفرات، والفرات خير المياه، وجدي سنان، والسنان خير السلاح.
ولد أسد ببلد حران من ديار بكر سنة ١٤٢ هـ، وكان أبوه الفرات من جند خراسان، فلما بعث أبو جعفر المنصور محمد بن الأشعث لإخماد فتنة البربر بأفريقية، وكان الفرات في الجيش الذي يقوده محمد بن الأشعث، فأخذ ابنه أسداً وقد بلغ من العمر حولين، فنزل بالقيروان، وهي يومئذ عاصمة أفريقية.
بقي أسد بالقيروان نحو خمس سنين، ثم انتقل به أبوه إلى مدينة تونس، وأقام بها سنين توفق فيها أسد إلى طلب العلم، فتلقى من شيوخ أشهرهم: علي بن زياد الذي لقي مالكاً، وأصبح أفقه العلماء بأفريقية.
ولم يقنع أسد بما تلقاه من شيوخ أفريقية، وتاقت نفسه لأن يزداد بسطة في العلم، فأزمع الرحلة إلى الشرق، وكانت الرحلة ولا زالت السبب الأقرب إلى تثقيف العقل، والنبوغ في العلم، متى كان الراحل مجداً غير هازل، نبيهاً غير خامل، ولولا رجال من الأمة يرحلون، فيردون مناهل العلوم ثم يصدرون، لبقي كثير من الأمم في جهلهم، أو على مقدار من العلم لا يرفع