غادر أسد بن الفرات تونس سنة ١٧٢، فدخل المدينة وعالمها الذي تضرب إليه أكباد الإبل وقتئذ مالك بن أنس، فلزم مجالسه، وسمع منه كتاب "الموطأ"، وبعد أن فرغ من سماعه، قال لمالك، زودني يا أبا عبد الله، فقال له مالك: حسبك ما للناس.
وكان أصحاب مالك -ابن القاسم وغيره- يهابون مالكاً، فلا يسألونه أو يناقشونه في العلم إلا بمقدار، ولما رأوا في أسد جرأة، أخذوا يدفعونه إلى سؤال مالك، ويلقنونه ما شاؤوا من المسائل يبتغون أجوبتها، فكانوا إذا أجابه مالك عن مسألة، يقولون له: قل له: لو كان كذا وكذا، كيف يكون الحكم؟ قال أسد: فأقول له، حتى ضاق علي يوماً، وقال لي:"سلسلة بنت سلسلة، إذا كان كذا، كان كذا وكذا، إن أردت هذا، فعليك بالعراق".
وكان الإمام مالك يكره السؤال عن أحكام الحوادث قبل وقوعها؛ ذلك لأن أصول الشريعة محكمة، ومقاصدها واضحة، ووسائل الاستنباط ممهدة، فمتى وقعت الواقعة، وجدت من أئمة الاجتهاد من يفصل لها حكماً موافقاً.
* انتقاله إلى العراق:
قصد أسد المسير إلى العراق ليتعلم من علمائه ما لم يكن يعلم، فدخل على مالك مودعاً، وقال له: أوصني. فقال له مالك:"أوصيك بتقوى الله، والقرآن، والنصيحة لهذه الأمة".
رحل أسد إلى العراق، فلقي هنالك أصحاب الإمام أبي حنيفة، وكان