للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يشهد مجالس محمد بن الحسن العامة، ولم يكتف بما كان يستفيده من هذه المجالس حتى اقترح على محمد بن الحسن أن يسمح له بوقت يخصه فيه بالدراسة، فتقبل محمد بن الحسن اقتراحه، وقال له: اسمع مع العراقيين بالنهار، وقد جعلت لك الليل كله وحدك، فتبيت عندي، وأسمعك. قال أسد: فكنت أبيت في سقيفة بيت يسكن هو في علوه، فكان ينزل إلي، ويضع بين يديه قدحاً فيه ماء، ثم يأخذ في القراءة، فإذا طال الليل، ورآني نعست، ملأ يده ماء، ونضح به على وجهي، فأنتبه؛ فكان ذلك دأبي ودأبه حتى أتيت على ما أريد من السماع عليه.

صنيع أسد بن الفرات يرينا كيف كان طلاب العلم في الإِسلام، فلا نعجب لمن يقص علينا التاريخ أنهم بلغوا في العلم -وهم لا يبعدون عن سن العشرين- منزلة سامية فائقة.

وصنيع محمد بن الحسن يرينا كيف كان الأساتيذ يحنون على طلاب العلم حنو المرضعات على الفطيم، ويقضون ليلهم ونهارهم في إنارة عقولهم، وتوسيع دائرة معارفهم.

* انتقاله إلى مصر:

بعد أن تضلع أسد مما عند علماء العراق من علم، انتقل إلى مصر، وقد ظهر بها وقتئذ أصحاب الإمام مالك: ابن القاسم، وأشهب، وغيرهما، فحضر أسد لأول قدومه مجلس أشهب بن عبد العزيز، فصادف أن بدرت من أشهب كلمة تطاول بها على الإمامين مالك وأبي حنيفةَ، فأخذت أسداً الحميةُ لهما؛ ولم يتمالك أن قال: يا أشهب! فأسكته الطلبة، وقالوا له: ماذا أردت أن تقول له؟ قال: أردت أن أقول له: مثلك ومثلهما مثل رجل