أتى بين بحرين، فبال، فرغى بوله، فقال: هذا بحر ثالث.
وكان ابن القاسم وأشهب يخالفان مالكاً في بعض الفتاوى، غير أن في ابن القاسم أناة، فلا يضم إلى الخلاف قولة جافية، أما أشهب، فكان لا يبالي أن يزيد على الخلاف كلمة يتظاهر فيها باستقلال النظر ما شاء.
ثم اتصل أسد بابن القاسم، وكان يغدو إليه في كل يوم يلقي عليه مسائل ليجيبه عنها بما يرويه عن مالك، أو تقتضيه أصول مذهبه، حتى دوّن ستين كتاباً سماها: الأسدية.
ولما عزم أسد على العودة إلى القيروان، سأله طلاب العلم هنا بمصر أن يسمح لهم باستنساخ ما دونه عن ابن القاسم -أعني: الأسدية-، فأبى عليهم ذلك، فحسبوا أن هذا من الحقوق التي يتناولها القضاء، فشكوه إلى القاضي، وهو يومئذ عمرو بن مسروق الكندي، فقال لهم: وأي سبيل لكم عليه؟! رجل سأل رجلاً فأجابه، ها هو المسؤول بين أظهركم، فاسألوه كما سأله. ثم إن القاضي رغب إلى أسد في أن يسمح لهم باستنساخ الأسدية، فأجاب طلب القاضي، وسلمها لهم حتى فرغوا من نسخها.
* عودته إلى القيروان:
قضى أسد في رحلته نحو عشر سنين، ثم عاد إلى القيروان سنة ١٨١، وانتصب للتدريس، وبث ما كسب من علم، فأقبل عليه الطلاب يجتنون من ثمار رحلته، ويتلقون عنه "الموطأ". وكتاب "الأسدية"، وممن أخذ الأسدية: الإمام سحنون، ثم إن سحنون رحل إلى مصر سنة ١٨٨، وقرأ الأسدية بين يدي ابن القاسم نفسه، وكان ابن القاسم قد رجع في بعض مسائلها، وقررها على غير ما سمع منه أسد بن الفرات، ولما فرغ سحنون من قراءتها، كتب