ابن القاسم رسالة إلى أسد يأمره فيها بأن يصحح "مدونته" على النسخة التي يحملها سحنون، عاد سحنون بالمدونة، ودفع كتاب ابن القاسم إلى أسد، فأبى أسد أن يغير مدونته المسماة: الأسدية على نحو ما سمعها عن ابن القاسم، ولكن مدونة سحنون هي التي انتشرت في الآفاق، وعول عليها الناس في الفتوى، وهي التي تناولها الفقهاء بالشرح والاختصار.
* مكانته العلمية:
عرفنا مما سلف أن أسداً تفقه عن علي بن زياد في تونس، ثم رحل وأخذ عن مالك بالمدينة، ثم عن أصحاب أبي حنيفة بالعراق، ثم عن عبد الرحمن ابن القاسم بالقاهرة، وأن مدة رحلته بلغت تسع سنين، وإن تسع سنين يقضيها العالم الذكي في الازدياد من العلم بجد وتلهف، لكفيلة بأن تخرجه للناس نحريراً فائقاً، وبما نال أسد في هذه الرحلة من علم كان يقول مغتبطاً ومعرضاً ببعض معاصريه بالقيروان:"ضربنا في طلب العلم آباط الإبل، واغتربنا في البلاد، ولقينا العلماء، وغيرنا طلب العلم خلف كانون أبيه، ووراء منسج أمه، ويريدون بعد ذلك أن يلحقونا".
وتحدث محمد بن الحسن عن أسد في مكة، فوصفه بالدراسة والمناظرة والسماع، وكان قاضي القيروان عبد الله بن غانم يشاوره، ويعجب بعلمه، وقال أبو بكر بن الأبار في "الحلة السِّيراء": "وكان لأسد بيان وبلاغة، إلا أنه بالعلم أشهر منه بالأدب".
ومما امتاز به أسد عن معاصريه: أنه كان يسرد في مجالسه أقوال أهل العراق، ثم أقوال أهل المدينة، وبهذه الطريقة اتسعت دائرة علم الفقه في تونس، وأصبح طريق النظر في أحكام الشريعة ومداركها مألوفاً ميسراً، وقد