صقلية بمجاعة اضطرته إلى أكل لحوم الخيل، فمشى فريق منهم إلى زعيم يقال له: سحنون بن قادم؛ ليسعى لدى أسد في الرجوع بهم إلى أفريقية، فمضى إلى أسد، وخاطبه في هذا الشأن، فكان جواب أسد أن قال: ما كنت لأكسر غزوة على المسلمين، وفي المسلمين خير كثير، فاستجرأ عليه ابن قادم، وقال: على أقلِّ من هذا قُتل عثمان بن عفان، فتناوله أسد بالسوط، وخفقه به ثلاثاً أو أربعاً، ثم مضى على عزيمته، فقاتل حتى فتح أكثر البلاد، وأتم فتحها من بعده أفراد يعزمون فيفعلون.
وأنا لا أشك في أن تعاليم الإِسلام متى تلقيت بحق، طبعت النفوس على الشجاعتين: الأدبية، والحربية، فلا عجيب أن يخرج من بين مجالس مالك بن أنس، ومحمد بن الحسن، وعبد الرحمن بن القاسم بطل تحمل يمناه السيف بعد أن كانت تحمل اليراعة، وتتخضب بحمرة الدم بعد أن كانت تتخضب بسواد المداد، فيعيش عالماً صالحاً، ويموت قائد جيش فاتحاً.
ذلك هو أسد بن الفرات، رحمه الله، ورحم كل من جاهد في سبيل سعادة الأمة وإعلاء شأنها، ما استطاع إلى الجهاد سبيلاً.