للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حصاره لهذه المدينة توفاه الله في ربيع الآخر، وقيل: في شعبان سنة ١١٣ (١) بجراحات شديدة أصابته في إحدى الوقائع؛ إذ كان أسد يحمل اللواء بيده، ويدعو الناس إلى الإقدام، ثم يخوض بهم مواقع القتال.

قال ابن أبي الفضل -وكان فيمن شهد يوم فتح صقلية-: "رأيت أسد ابن الفرات وفي يده اللواء، فحملوا عليه، وكانت فينا روعة، فقال للناس (مشيراً إلى جيش العدو): هؤلاء عجم الساحل (٢)، هؤلاء عبيدكم، لا تهابوهم، وحمل اللواء، وحمل الناس معه، فانهزم (بلاته)، وأصحابه، فلما انصرف أسد، رأيت والله! الدمَ قد سال مع قناة اللواء على ذراعه حتى صار الدم تحت إبطه".

وكان أسد يرجو من الله ما لا يرجوه الجبناء ضعفاء الإيمان، فكان على ثقة من أنه سيكسر جيش الروم، بلغ من الكثرة ما شاء أن يبلغ، ويدل على هذا أن الزعيم (فيمه) تأهب لأن يقاتل هو والذين معه بجانب جنود الإِسلام، فأبى أسد، وقال له: اعتزلنا، فلا حاجة لنا بأن تعينونا. وقال له ولأصحابه: اجعلوا على رؤوسكم سيما تعرفون بها؛ لئلا يتوهم واحد منا أنكم من هؤلاء الموافقين لنا، فيصيبكم بمكروه، فاتخذوا في ذلك اليوم سيماهم حشيشاً يضعونه على رؤوسهم.

ومما يشهد على أن أسداً كان يحمل في صدره قلب البطل الذي لا يرى مرارة الموت إلا في الخوف منه: أن الجيش الإِسلامي بُلي بعد نزول


(١) ودفن هنالك، وقال ابن خلدون: في قصر بأنه. وكتب زيادة الله بفتح صقلية على يد أسد إلى المأمون.
(٢) يريد: أنهم الذين فروا من ساحل أفريقية عند فتحها.