المفاخر بينات. ونيطت بأمانته استشارة وزارات. كانت خاتمتها: الوزارة الكبرى، التي نالت به خمساً وعشرين سنة مجداً وفخراً، وكان في جميعها مثال النصح والشرف والاستقامة، ونهى نفسه منذ النشأة عن الهوى، فأطاع ربه وخاف مقامه، حتى انتقل إلى ما عند الله، ومحاسنه ما بين أمثال سائرة، فآتاه الله في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة".
* صلتي بصاحب الترجمة:
كنت أيام الشباب أحاول نظم الشعر في بعض الأوقات، فدعاني ما عرفته عن هذا الوزير من الرسوخ في العلم والأدب أن أهنئه في يوم عيد بشيء من الشعر، فدخلت في طائفة من أهل العلم لتهنئته، وتلوت عليه أبياتاً وأنا جالس أمامه، فأصغى إليها بإقبال، وتناولها مني ببشر ودعاء، وكان في الحضرة سبطه العلامة الأستاذ السيد محمد الطاهر بن عاشور شيخ الإسلام المالكي بتونس لهذا العهد، فودعت الوزير وخرجت، وصحبني الأستاذ ابن عاشور، وكان ذلك اليوم فاتحة عهد اتصالي بالوزير، وعهد صداقة استوثقت بيني وبين حفيده الأستاذ ابن عاشور، وبلغت هذه الصداقة في صفائها وثباتها أقصى غاية.
وأصبح صاحب الترجمة منذ ذلك العهد ينظر إليَّ بعين الأب العطوف، وفي عهده أصدرت مجلة علمية أدبية تدعى: "السعادة العظمى"، ورأيت من تشجيعه ما أطلق القلم، وجعلني لا أبالي بصخب من يثورون في وجه كل ما يخالف العادات والآراء المألوفة، وفي عهده توليت قضاء بلدة "بنزرت" وملحقاتها، ووجود هذا الوزير العلَّامة على رأس الوزارة ساعدني على أن أقتدي بما أقرؤه في سيرة القضاة الذين لا يخافون في الحق لومة لائم.