للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الظاهر أن قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: ٧] وقع معادلاً لحال الزائغين المشار إليه بقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران: ٧]، ويكون معنى الآية: وأما الراسخون في العلم، فيقولون آمنا به، ولم يأت في الآية - على هذا الوجه الظاهر في المعادلة - مبالغة في رفع شأن الراسخين في العلم؛ حيث لم يسلك بهم مسلك المعادلة اللفظية لأولئك الزائغين.

وأجاب المؤولة: بأن المعادل لا يلزم أن يكون مذكوراً في النظم، بل قد يكون محذوفاً؛ اكتفاء بما يدل عليه من القرائن اللفظية أو الحالية، فيصح أن يقال: إن المعادل لقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ} محذوف، وتقديره: وأما الذين في قلوبهم هدًى وطمأنينة، فلا يتبعون ما تشابه منه ليفتنوا به الناس، ويؤولوه على حسب أهوائهم.

وقال المفوضة أيضاً: إن قوله تعالى: {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: ٧] ينبئ أن الراسخين لا يعلمون تأويله؛ إذ لو كانوا ممن يعلم تأويله، لم يكن لهذا القول فائد؛ إذ لا غرابة في الإيمان بما ظهر معناه، وإنما تكون له فائدة حيث يكون إخباراً عن إيمانهم بالمتشابه مع عدم فهمهم للمراد منه.

ويجاب عن هذا: بأن قولهم: {آمَنَّا بِهِ} إيحاء إلى أن إيمانهم به هو الذي دعاهم إلى أن يسلكوا في تأويله الطريقة اللائقة به، وفي ذلك تعريض بأن من اتبعوا المتشابه ابتغاء الفتنة، وتأولوه على ما يوافق أهواءهم ليسوا بمؤمنين (١).

وقال المؤولة: إن وصف أهل العلم في الآية بالرسوخ يقتضي أن يكون


(١) والفرق بين التأويل الذي يعلمه الراسخون في العلم، والتأويل الذي يبتغيه الزائغون: أن الأول يقوم على الدليل، والثاني يقوم على الهوى ابتغاء الفتنة.