الحكم المسند إليهم مما يحصل بطريق الرسوخ في العلم، فيكون الحكم المثبت لهم هو العلم بالمتشابه، لا مجرد قولهم: آمنا به؛ فإن هذا القول لا يمتاز به الراسخون في العلم، بل يستوي فيه الراسخون في العلم وغيرُ الراسخين.
قال ابن عطية:"تسميتهم راسخين تقتضي أنهم يعلمون أكثر من الحكم الذي يستوي في علمه جميع من يفهم كلام العرب، وفي أي شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلا ما يعلمه الجميع؟ وما الرسوخ في العلم إلا المعرفة بتصاريف الكلام بقريحة معدة".
وأجاب أنصار مذهب المفوضة: بأن فائدة وصفهم بالرسوخ في العلم: المبالغة في قصر علم تأويل المتشابه على الله تعالى؛ لأنه إذا قيل: إن الراسخين في العلم لا يعلمونه، وذلك مفاد قوله:{يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}[آل عمران: ٧]، كان عدم علم غيرهم بتأويله مفهوماً بالأولى.
وأما الاستدلال بأمور خارجة عن مدلول الآية، فيرجع إلى ثلاثة وجوه: القراءات، والآثار، وحكمة التشريع.
أما القراءات، فقد استدل المفوضة بما رواه الحاكم في "مستدركه": أن ابن عباس كان يقرأ: (وما يعلم تأويله إلاّ الله، ويقول الرّاسخون في العلم: آمنّا به)، وهذه القراءة تدل على أن الواو في قوله:{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}[آل عمران: ٧] للاستئناف، لا لعطف الراسخين على اسم الجلالة.
ويجيب المؤولة: بأن هذه الرواية لا تثبت بها القراءة، وإن أنزلناها منزلة خبر الآحاد، فهي لا تزيد على إفادة أن ابن عباس يرى أن المتشابه مما استأثر الله بعلمه، وقد اختلفت الرواية في هذا عن ابن عباس، ومما حكي