وخاض في بحور "المفتاح" وشروحه، ولم تقف همته عند ذلك، فاستجلب كتاب "دلائل الإعجاز"، استنسخه من بعض مكاتب الآستانة على طريق بعض التجار، ولم يكن ذلك الكتاب بتونس من قبل، فكانت لدرسه رنة عظيمة في المحافل العلمية، ودرَّس "المحلي على جمع الجوامع"، فتعالى عن القشور، وقصد إلى لب علم الأصول، مع التنبيه على ما يعرض للناظرين من الأوهام، ودرَّس "صحيح مسلم"، وشرع في تدريس "تفسير البيضاوي"، فاقرأ من أوائله قليلاً، ثم عاجله الحِمام.
وتخرج عنه أعلام العصر الماضي؛ كالوزير العلامة الشيخ محمد العزيز بوعتور، والوزير العلامة الشيخ يوسف جعيط، والعلامة شيخ الإسلام الشيخ أحمد بن الخوجة، والعلامة اللغوي كبير أهل الشورى الشيخ سالم بوحاجب، وشيخ الإسلام الشيخ محمود بن الخوجة، والعلامة المفتي الشيخ محمد النجار، وشيخ الإسلام العلامة أحمد كريم، والمفتي المحقق الشيخ حسين ابن حسين، والعالم المؤرخ الشيخ محمد بيرم دفين مصر، وغيرهم من جهابذة تونس، وعلماء بلدان المملكة.
قال الشيخ ابن أبي ضياف:"وكان في مدة مباشرته للقضاء يرتاح إلى التدريس، ورغب منه أعيان تلامذته أن يكمل لهم درس "المحلي على جمع الجوامع" الذي كان شرع فيه قبل ولايته القضاء، فأجابهم إلى ذلك، وأقرأه بين العشاءين". وقد كان في تدريسه يفتح للتلامذة أبواب التفكير، ويجرئهم على مجاراة الكاتبين بأنظارهم، فأخرج لهم خبايا العلوم بطريقته المبتكرة يومئذ بجامع الزيتونة، وهي نفوذ النظر من أول الأمر لِلُباب المسائل، والتوسع فيها بالنظر في أصولها ونتائجها، مع تسقيط ما لم يجر على تلك