ولا يغادر عويصة أو عقدة إلا فتح مغلقها، وأوضح مجملها؛ بحيث يتعلم الطالب من دروسه كيف تلتقط جواهر المعاني من أقوال المؤلفين، زيادة عما يستفيده من العلم.
فالأستاذ لم يأخذ في دروسه بطريقة الإملاء، كما يصنع كثير من كبراء الأساتذة، إلا أن له مزية التحقيق والكشف عن أسرارها بوجه يدلك عمَّا له من سعة العارضة، والغوص في أعماق المباحث إلى أبعد غاية.
وعادته أن لا يورد بحثاً، أو جواباً عن اعتراض، إلا بعد التثبيت، والاستناد فيه إلى قاعدة مسلَّمة، ومن هنا كان الغالب على أفهامه الاستقامة، وإصابة المرمى، وإذا عثر على خلل لبعض المؤلفين، التمس له المعذرة ما أمكنه، وإلا، قرر وجه الخلل، ونبه على مكانه بأدب ولطف في البيان، وكان له عقل أشرب قوانين المنطق، فلا يروج عليه الزيف، وإن صدر من عظيم، أو خرج في زخرف من القول.
وانتخب الأستاذ -رحمه الله- سنة ١٢٧٨ عضواً في المجلس الأكبر، ونائباً لرئيس المجلس الاعتيادي، فظهرت له براعة فائقة في تطبيق القوانين.
ولما تخلى الوزير مصطفى خزنه دار عن الوزارة، وعزمت الدولة محاسبته على الأموال التي وردت بيت خزينة المال مدة ولايته، عقدت مجلساً لذلك، واتخذت صاحب الترجمة وكيلاً عنها؛ ثقة بما عرف به من رجاحة العقل وسداد الرأي، ولما انتهت هذه المسألة، قلدته خطبة قضاء باردو (قاضي الجيش) سنة ١٢٩٠.
وكان لصاحب الترجمة اليد الطولى في نظام التعليم بالجامع الأعظم في عهد وزارة خير الدين؛ فقد كان أحد أعضاء اللجنة التي شكلها الوزير