أحباس جد الباي، وهو من المستحقين، فأرسل الباي الوزير الشيخ أبا الضياف لخطاب صاحب الترجمة، وهو يومئذ في خطبة القضاء؛ ليأذن بعقد المعاوضة، فخاطبه فامتنع، ولج في الامتناع. قال الأستاذ أبو الضياف:"ثم استأذنت الباي أن كلمه بمحضر الجماعة (بقية أعضاء المحكمة الشرعية)، فقال لي: "تكلم بالنيابة عني"، فجلست مجلس الخصوم، وأعدت المطلب، فقال لي في ذلك المشهد: يابني! (إن بدني لا يطيق النار)، ثم التفت إلى الباي، (وكان في الحضرة)، وقال له:(إني نائب عنك، ولم تظهر لي مصلحة في هذا العوض، فإن ظهرت لك المصلحة، فافعل، وكاتبك هذا (يعني: ابن أبي الضياف) يحسن الكتابة، وأنت تحسن النظر، فرجع الباي على عادته في الوقوف مع الحكام الشرعية، والأدب معها".
ومن حرصه على نصيحة السلطان: أن أمير البلاد المشير الأول أحمد باشا باي كان قد أمر بقتل سبعة من العساكر في قريب من شهر رمضان. وكان صاحب الترجمة ممن يلقون دروساً في رمضان تسمى هنالك بالأختام، فجعل موضوع الدرس قوله تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ. . .}[النساء: ٩٣] إلخ الآية. وكان الباي ممن شهد حفلة الختم. فأخذ الشيخ يقرر معنى الآية، ويورد ما ورد في قتل النفوس من الوعيد، حتى ظهر على الباي أثر الغضب، وأوجس الحاضرون خيفة أن يسرع إلى الانتقام منه، ولكن النصيحة التي تصدر من سريرة خالصة لا تأتي في غالب الأحوال إلا بثمرة طيبة، وعاقبة وحسنة.
"إن التقي إذا غالبته غلبا".
وكان ملوك تونس يرغبون في حضوره مجالسهم غير الرسمية، فإذا