للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأجاب المفوضة: بأن ورود مثل هذا الخطاب يكفي في حكمته ابتلاء العبد بتلقي كلمات من الشارع لا يعلم المراد منها؛ ليظهر فضله في الإيمان بها، وتفويض أمرها إلى الله، مقراً بالعجز عن الوصول إلى المراد منها.

ويختلف المفوضة في ضبط أنول المتشابه، فابن حزم - وهو من أصحاب هذا المذهب - يخص المتشابه بالحروف، والأقسام الواردة في أوائل السور، فقال في كتاب "الأحكام": "والمتشابه لا يوجد في شيء من الشرائع إلا بالإضافة إلى من جهل دون من علم، وهو في القرآن، وهو الذي نهينا عن اتباع تأويله، وعن طلبه، وأُمرنا بالإيمان به جملة، وليس هو في القرآن إلا للأقسام التي في السور؛ كقوله تعالى: {وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى: ١ - ٢]، وقوله: {وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: ١ - ٢]، والحروف المقطعة في أوائل السور، وكل ما عدا هذا من القرآن، فهو محكم.

والمعروف بين أهل العلم: أن السلف يعدون في المتشابه ألفاظاً واردة في الآيات والأحاديث تدل بمقتضى استعمالها العربي على صفات أو أفعال يستحيل إضافتها إليه تعالى؛ نحو قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥].

ومن المفوضة: أبو إسحاق الشاطبي، غير أنه قسَّم المتشابه إلى حقيقي وإضافي، وأراد من الحقيقي: ما لا سبيل إلى فهم المراد منه، وأراد من الإضافي: ما اشتبه معناه؛ لاحتياجه إلى مراعاة دليل آخر، وقال: "فإذا تقصى المجتهد أدلة الشريعة، وجد فيها ما يبين معناه، والتشابه بالمعنى الحقيقي قليل جداً، وبالمعنى الإضافي كثير".