لينوب عنها في قضية أقامتها على ورثة أحد قابضي أموالها المدعو "نسيم"، وأقام هنالك زمناً واسعاً، التقى فيه خلاله بكثير من علمائها، ودارت بينه وبينهم محاورات علمية، وكانوا يلقون عليه أسئلة فيما يشكل عليهم من بعض الأحكام الإسلامية، فيذهب في الجواب عنها إلى طريق النظر الفلسفي، حتى تقع أجوبته لديهم موقع القبول والتسليم. وكان الأستاذ يقول: إن هذه الرحلة مجموعة عنده في كتاب. وقصّ علينا أنه دخل إلى بعض المكاتب الحاوية لكتب عربية، فتناول كتاباً منها، فكان أول جملة وقع عليها بصره:"كان العرب إذا خطبهم لاعب الشطرنج، منعوه، وقالوا: إنه ضرة ثانية": وفي هذه الرحلة بعمث الأستاذ بصورة فتوغرافية إلى الوزير محمد البكوش، وكتب عليها من نظمه:
لما شكتْ شحطَ النوى روحي التي ... أبقيتها عند الأَحبَّةِ بالوطنْ
أرسلتُ تمثالي لها بوّاً عسى ... تسلو فلا تبغي التحاقاً بالبدنْ
وسافر الفقيد رفيقاً للوزير خير الدين باشا إلى الآستانة، وامتدح السلطان العثماني بقصيدة، فأمر بمكافأته عليها بوسام، فأبى، وقال للمرسل من جانب السلطان: إن حمل الوسام مما لا يرغب فيه أهل العلم ببلادنا، بل يرونه بحكم العادة مزرياً بمقامهم.
وكان يلقي في شهر رمضان من كل سنة درساً من "صحيح البخاري" بجامع (سبحان الله) ودرساً من كتاب "الموطأ" في المدرسة المنتصرية، ويشهدهما صاحب المملكة التونسية سمو الباي وكبير الوزراء في مجمع حافل من أعيان العلماء، وتجري فيهما مباحثات من أقران الأستاذ، أو نجباء تلاميذه، وقد يورد بعض الأبحاث الأمير نفسه متى كان من رجال العلم؛ مثل: المغفور