للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له الناصر باي، وهذه الدروس التي كان يلقيها الفقيد بعناية، لا تزال محفوظة، إذ كان يحررها كتابة قبل يومها المشهود.

واشتهر بالفلسفة في العلوم الإسلامية، فكان مورد المستشرقين، ومن تشتد عنايتهم للاطلاع على حقائق الإسلام من فرنسيين وغيرهم، فيجاذبهم أطراف المحاورة بنفس مطمئنة، وأدب جميل.

وكان يقوم بالخطابة والإمامة بالجامع المعروف بجامع (سبحان الله)، ويلقي خطباً يراعي في إنشائها ما تستدعيه حال الزمان والمكان. ومما ابتكره في الخطابة: أنه كان يعمد إلى ما يرد في الخطبة من حديث أو آية يسبق إلى ظنه أنه بعيد الماخذ من أفهام السامعين، فيشرحه بعبارات يصوغها على طريقة بيانه في التدريس، وقد ظهر قسم من هذه الخطب مطبوعاً في تونس منذ ثلاث عشرة سنة.

وكان يشد أزر القائمين على بعض الأعمال الإصلاحية، وكان النشء الناهض يلتف حوله، ولهذا انتخبوه للخطابة في حفلة افتتاح المدرسة الخلدونية التي تعد شعبة من جامع الزيتونة لدراسة العلوم الرياضية والطبيعية والتاريخ.

وأذكر أني كنت أنشأت مجلة علمية أدبية تسمى: "السعادة العظمى"، فتحركت بعض النفوس الخاملة لكتم أنفاسها، فقال لي الأستاذ حال انصرافنا من درس "صحيح البخاري": لا تعباً بما يلقيه هؤلاء في سبيل عملك، وتأس بالنبي - عليه الصلاة والسلام - إذ قال له ورقة بن نوفل: لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي.

وكان للفقيد عاطفة أدبية تسمو به إلى الاحتفاء بالعلماء الوافدين على الحاضرة، ويذل المستطاع في مجاملتهم. زار فيلسوف الإسلام الأستاذ الشيخ