محمد عبده البلاد التونسية سنة ١٣٢١، ونزل ضيفاً مكرماً في بيت حضرة السيد خليل أبي حاجب نجل الفقيد، وهو اليوم وكيل وزير الداخلية بتونس، فعرف الفقيد فضل الأستاذ الشيخ محمد عبده، وكان يقضي جلّ أوقاته في مؤانسته ومذاكرته العلمية أو الأدبية أو الإصلاحية.
وورد عالم الجريد الشيخ إبراهيم أبو علاق الحاضرة، وأتى درس الفقيد بجامع الزيتونة، ولم تنعقد صلة التعارف بينهما بعد، فأخذ يناقش الأستاذ في المبحث الذي كان بصدد تقويره، ولما طال أمد المناقشة، ووقع في ظنّ الفقيد أن ليس الغرض منها طلب الحقيقة، بدرت منه كلمة كبرت على مسمع الشيخ أبي علاق، فانصرف عن الدرس وقال:
تقاصرتُ مذ أبدى التطاولَ سالمٌ ... وسالَمتُ والقاصي المكان يُسالمُ
ولما وصل نبأ هذا البيت إلى مجلس الفقيد، نهض في الحال للقاء الشيخ أبي علاق، فاسترضاه، وخطب مودته، ودامت بينهما الصداقة المحكمة.
وتحلى الفقيد بآداب راقية؛ مثل: التواضع، والحلم، والصراحة، فازداد شرفاً على شرف العبقرية، وانجذبت لا القلوب بعاطفة المحبة بعد امتلائها بمهابته وإجلاله، حتى إذا حضر مجتمعاً خاصاً أو عاماً، مسك بعنان المجلس، وأخذ ينشر على أسماع الحاضرين من غرائب المسائل ولطائف الأدب ما يخيل إليهم ئنهم في جنة عالية، لا تسمع فيها لاغية، وكنا نرى أهل العلم والأدب يقصدون في الاحتفالات الجامعة إلى أن تكون مجالسهم بمقربة من مجلس الفقيد؛ حرصاً على اقتباس أدب مؤنس، أو اقتناص علم غريب.
وانفود بين علماء جامع الزيتونة بأنه كان يتزيا في لباسه بزي علماء