أني حضرت مجلساً أخذ فيه بعض المحامين يخوض في سياسة الدولة بعبارات جافية، حتى استفتى في نكث العهد من طاعتها، فأخذت أكافحه بالحجة، وأقاومه بالموعظة وضرب المثل، كما شهد بذلك الشيخ صالح الرافعي، واعترف به هو نفسه لدى المحكمة العرفية، إلى أن انقطع الكلام، وانفصم عقد المجلس، فانصرفت، وتحاميت لقاءه من ذلك اليوم.
وما مرَّ مقدار شهرين على الواقعة، حتى بلغ الحكومة أن ذلك المحامي يسعى في تكوين جمعية باغية، وانجر البحث إلى استدعاء الشيخ صالح الرافعي المذكور آنفاً؛ لما بينه وبين ذلك المحامي من صلة القربى. فكان مما بثه بين يدي إدارة البوليس: أن ذلك المحامي كان يطعن في سياسة الحكومة، ويسأل عن حكم الخروج عنها، وذكر لها عني أني كنت حاضراً في هذا المجلس، وأنكرت عليه حتى قنع ولاذ بالتوبة.
دعتني إدارة البوليس، وسألتني عما جرى، فأخبرتها بالواقع، ولم تتهمني إدارة البوليس بأن لي علاقة بهذه الجمعية قط؛ بدليل أنها لم ترسل من جانبها من يتحرى ما في منزلي من الأوراق كما فعلت مع كل من اشتبهت في أمره. ولكنها ألحت في استجوابي، عسى أن يكون ذلك المحامي حين نثر بعض ما في كنانته بذلك المجلس، قد تحدث بأكثر مما قصصته عليه، ثم رأتني مسؤولاً عن عدم إبلاغ ما صدر من ذلك المحامي للحكومة في حينه، وأذنت باعتقالي حتى يرى المجلس العرفي رأيه.
وكان جوابي عن هذا السؤال: أنه لم يكن لدي ما يشهد بثبوت ما أبلغه عن المتهم إذا وقع على قضية طالبتني الحكومة بالإثبات، وذكرت لهم قضايا غضبت منها الحكومة على من بلغها أشياء، ولم يستطع إثباتها،