ونسبته إلى الافتراء والتهويش عليها، بل حكمت على بعضهم بالسجن الطويل حيث أبلغها عن أناس أنهم يعقدون مؤامرة ضدها، وعجز عن إثبات ذلك.
وقد تلقى المجلس العرفي هذا العذر بالقبول، وحكم بالبراءة، وتلطف عليَّ رئيس المجلس فخري باشا، وقال لي في نفس الجلسة: هل لك مطلب لدى الدولة نتوسل لك في قضائه؟ فأجبته باني لا أبتغي شيئاً، وعدها بعض الحاضرين إضاعة لفرصة سنحت. وقرر المجلس ما قدم له المدعي العمومي من مخاطبة جمال باشا بطلب مكافأتي على القيام في وجه ذلك المحامي، والإنكار عليه، ولكني لم أتشبث بهذا القرار. وقنعت بما ظهر للدولة والأمة من طهارة ذمتي، وعدم تسرعي إلى النفخ في لهيب الفتنة على غير هدى.
لم أنحرف عن مبدأ تأييد الدولة العلية ومقاومة خصومها جهد استطاعتي، حتى في أثناء مدة اعتقالي، وكان "سعدي أفندي الملا" أحد أعيان طرابلس الشام الذين رافقوني بمكان الاعتقال يقول في شأني للوفود التي ترد عليه للتهنئة بالإفراج عنه: ما رأيت أحداً يدافع عن الحكومة وهو في معتقلها إِلا فلاناً.
وحيث لم يقدح في نفس الحكومة خاطر اتهامي بمشاركة الذين مالؤوا أعداءها عليها، عينتني بعد تخلصي من ضائقة الاعتقال محرراً بالقلم العربي في دائرة من أقسام وزارة الحربية، وكنت أصل إلى سرائر لا يدنو منها إِلا من نزل عندها منزلة الناصح الأمين، وتماديت على العمل إلى أن عقدت الهدنة، ووضعت الحرب أوزارها.
لم يسعني بعد انعقاد الهدنة ورجوعي من أوربا إِلا أن قفلت راجعاً إلى الشام مفوضاً الأمر إلى الله، وبعد أن استقر بي النوى في دمشق، أضمر