لي قائدها العربي ما لا تحمد عاقبته، وشرع يناقشني الحساب بواسطة إدارة الأمن العام على علاقتي بالدولة العثمانية، وكان بيني وبينه تعارف أدبي كدت أسميه صداقة، ولما انتهى خبر هذه المعاملة الجافية إلى بعض أصحابنا الذين لهم به صلة متينة، تقدموا إليه باللائمة والإنكار، وجادلوه بشدة، حتى أقنعوه بنني لا أرجح عنصراً على غيره، إِلا العمل لترقية شأن الأمة الإسلامية، وتأكيد جامعتها، فطوى عندئذ بساط المناقشة والاستجواب، وكتب بيده إلى وزير المعارف يذكر أني عالم فاضل، وأنه لابد من الاستفادة من مقدرتي.
قدمت دمشق، فوجدت بها لجنة دولية أعلنت بأن لمن لحقه أذى من الحكومة العثمانية، مالياً أو غيره، أن يقدم طلب تعويض؛ لتسجله، وتدفع له المقدار المطلوب في وقت قريب، وهي ترجع به من بعد على الحكومة العثمانية، فتهافت عليها الناس من كل حدب، ومن بينهم طائفة اعتقلوا بضعة أشهر، وبرئت ساحتهم، فتقدموا إلى اللجنة يطلبون ألفي جنيه تعويضاً، وقررت لهم اللجنة ذلك، ولقد حثني بعض القوم على أن أفعل مثل ما فعلوا، فاجبته: بأن الدولة لم تظلمني فتيلاً، واقتضاء المال من بيت مال المسلمين على هذا الوجه غير سائغ بإجماع.
هذا ما أسمح اليوم ببثه، وأراه كافياً في إماطة اللبس الذي أتى من ناحية بعض الكلمات المعبر عنها في مجلة "البدر"، وللتاريخ بعد هذا لهجة ينكشف لصراحتها كل لبس، وحكم نافذ ليس من ورائه استئناف.