وهذا الوجه من وجوه الإعجاز لا يدركه إلا من عرف بلاغة اللغة العربية.
ومن إعجاز القرآن: اشتماله على حِكَم ومعان صحيحة، وعدم وجود اختلاف بينها مع كثرتها، وهذا الوجه من الإعجاز يدركه حتى من لا يعرف بلاغة اللغة العربية.
وقد دخلت إلى مسجد (بايزيد) بالآستانة في رمضان، فوجدت عالماً تركياً يدرس "شرح السعد على التلخيص" في بلاغة اللغة العربية، فكان يقرأ النص العربي، ويشرح لهم المعنى باللغة التركية، فيفهمون المعنى وحكمته.
وقد سألني بعض من له دراية بعلوم الفلسفة، فقال: إن الحكماء يقولون: إن الصداقة لا تدوم إلا بين الفضلاء، فهل يوجد هذا المعنى في القرآن؟ فقلت له: يقول الله تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}[الزخرف: ٦٧]، فهذا يدل على أن الفضلاء يستمرون على صداقتهم، ولو مع الأهوال العظيمة.
وإن القرآن وحده دعوة وحجة، ويشير إلى هذا قوله تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ}[التوبة: ٦]؛ حيث جعل سماعه للقرآن حجة كافية في الدعوة.
وعلماء جامع الزيتونة لا يقرؤون تفسير القرآن إلا إذا قرؤوا علوم المعقول والمنقول، حتى يدركوا بلاغة القرآن.
وأذكر أنه طلب مني بعض الطلبة أن أقرأ لهم "تفسير البيضاوي" في جامع (حمودة باشا)، فأجبت رغبتهم، وقرأت منه دروساً، فأرسل إليَّ