يشمخ بأنفه كأنما يريد أن يثقب به الفلك الأطلس، ومتى صوبت نظرك إلى قدمه، وجدتها سائخة في الدرك الأسفل من المهانة.
علّة ذلك: أنه لم يفتح عينه إلا على وجوه آخر له جباهها سجّداً، ولا يخاطب إلا بأفواه تتدفق عليه أشداقها بعبارات التعظيم والإطراء، فيكون ارتياحه لذلك غشاوةً على بصره تحجب عنه ما ارتكز في سريرته من النقائص، ولو امتطى غوارب الأسفار، وهبت به على المواطن التي لا يعباً فيها إلا بطارف المجد، ولا يعتنى فيها إلا بالكمال الذي يجري مع صاحبه حيث أصاب وأبصر رجالاً بمنزلة الجن في تفنن الأعمال وإبداعها، وآخرين يضاهون طبقة الملأ الأعلى في أخلاقهم المقدسة، لترفعت همته عن القناعة بما تداهنه به عبيد المطامع الواسعة، وتداجيه به ألسنة الذين في قلوبهم مرض النفاق، وطفق يسعى وراء ما أرشدته إليه المشاهدة إرشاداً صحيحاً، وينسج على منوال ما دلته عليه التجارب دلالة واضحة.
ومن الذين يريدون الحياة الدنيا، من تنبت له الفضاضة في نفوس بعض الأرذلين بذور الرهبة والإكبار، فينتزع من ذلك قياساً يظنه مطرداً، حتى إذا هجس في خاطره استرقاق بعض الضمائر الحرة، أسرع إلى جرح إحساساتها، ولربما عمد إلى إرهابها بمد يده إلى إنقاذ مقاتلها، ولو مارس مثل هذا أبناء الزمان شعوباً وقبائل، واختبرهم ظهراً وبطناً، لعلم علم اليقين أن من الأفئدة ما لا يستعبده إلا الجميل من القول، ولا يرد جماحه إلا بزمام الرفق والملاطفة.
ومما كان للناس عجباً: أن يحل الرجل بعض النوادي، فيرمي بالكلمة ولا يلقي لها بالاً، فتهتز لها الرؤوس عجباً، وتبتسم لها الثغور اعترافاً بحسن