- رحمه الله -، والتقينا بالعالم الشهير الشيخ عبد القادر المجاوي بعد شهودنا مجلس درسه "جوهرة التوحيد" بمسجد سيدي محمد الشريف، فحيانا بتحيات أكدت للتعارف القديم ميثاقاً، وصبّت علينا شيمه الشريفة من المؤانسة كأساً دهاقاً، وحينما عزمنا على الانصراف، أخذ علينا عهداً على تجديد الزيارة في الليلة القابلة، فعقبنا ذلك العهد بالوفاء، وبعد صلاة التراويح ذهب الشيخ ونحن في صحبته إلى جامع الشريف، وأقرأ به درسه الاعتيادي من "الأربعين النووية" في مجمع عظيم من الخاصة والعامة، وكان حديث تلك الليلة:"الدين النصيحة"، ثم عدنا إلى السمر، ومعنا جماعة من التلامذة.
نستحسن من دروس هذا الشيخ اقتصاره في كل فن على تقرير مسائله التي يشملها موضوعه، وعدم خلط بعضها ببعض. وقد كنت -عافاكم الله- ممن ابتلي درسه باستجلاب المسائل المختلفة الفنون، وأتوكأ في ذلك على أدنى مناسبة، حتى أفضى الأمر إلى أن لا أتجاوز في الدرس شطر بيت من ألفية ابن مالك -مثلاً-، ثم أدركت أنها طريقة منحرفة المزاج، عقيمة عن الإنتاج، ونرجو أن تكون توبتنا من سلوكها توبة نصوحاً.
ولهذا الشيخ أيضاً خلق عظيم نحمده عليه، وهو سلوكه في معاملة التلامذة طريقاً وسطاً، لا ينحط عن مكانة عزة النفس، ولا يرتفع عن ساحة التواضع، تحمله عواطف النسب العلمي على العناية بشؤونهم، وبذل الوسع في قضاء مآريهم، ويصده علو الهمة عن مجاراتهم فيما يزري بخطته الشريفة.
أأغرسه عزاً وأجنيه ذلة ... إذاً فاتباع الجهل قد كان أحزما
ولعل هذا الخلقال في لا ينبل الرجل إلا به، هو الذي غرس له في قلوب الجمهور مودة واحتراماً. وغالب القضاة وعدول المملكة الجزائرية