ونودع في هذه الخلاصة جملة من المباحث التي أوردناها في تفسير الآية، عسى أن تكون أنظار بعض القارئين قد طمحت إلى الإلمام بمقاصدها.
قررنا في فاتحة الدرس قول الشيخ ابن عرفة:"من الناس من ينظر في وجه المناسبة بين الآية وما قبلها؛ كابن الخطيب، ومنهم من لا يلتزمه في كل آية؛ كالزمخشري، وابن عطية، ومنهم من يمنع النظر في ذلك، ويحرمّه؛ لئلا يعتقد أن المناسبة من إعجاز القرآن، فإذا لم تظهر المناسبة للناظر، وهم في دينه، ووقع له خلل في معتقده"، وعلقنا عليه: أن هذا الاختلاف إنما يقع لهم في الآيات التي لم تقترن بنحو حرف العطف؛ إذ يمكن الاكتفاء في بعضها بأن اتصال الآية بما قبلها معتبر فيه الترتيب بينهما في النزول الوارد على حسب الوقائع والحاجات، أما إذا اتصل بها حرف الوصل، كهذه الآية، فتطلُّب المناسبة متعين؛ لأن رعايتها حينئذ داخلة في حقيقة البلاغة التي هي الركن الأعظم في الإعجاز. ثم أتينا على عقد المناسبة بين هذه الآية وما قبلها.
ثم انتقلنا إلى بيان قول القاضي في تفسير الآية:"لا يستقيم للمؤمنين أن ينفروا جميعاً لنحو غزو، أو طلب علم، كما لا يستقيم لهم أن يتثبطوا جميعاً؛ فإنه يخل بأمر المعاش". والبيان: أما خطر انصراف الناس قاطبة إلى اجتناء ثمر العلوم، وإخلاله بمطالب حياتهم، فلأن الإنسان يفتقر في تحصيل معاشه ووسائل بقائه إلى مساعدة أبناء جنسه، ولا يستطيع أحد أن يقوم بها وحده، وإن بلغ أشدّه في استقامة البنية، وسعة الفكر، فإذا نفر الشعب بحذافرهم، وولوا وجوههم شطر الارتواء من العلم، ضاعت واجبات اجتماعهم، وانتقضت عليهم قواعد العمران من زراعة وصناعة وتجارة.