وأما تخلفهم جميعاً، وقعودهم عن الرحلة في طلب العلم، فإنه يخل بنظام العيش من جهة أن جهل القبيلة بما أرشدت إليه الشريعة من العقائد والأخلاق، وخلوّها عما فصّلته من قوانين الاجتماع وضروب السياسات، يفضي إلى انتشار المفاسد، واشتعال نار الفتن مثلما كانت عليه حال العرب في جاهليتها، ولا تخالجنا الريبة في هذه الحقيقة، متى شاهدنا انتظام شؤون العمران، وتوفر أسباب الراحة لدى بعض الأمم العارية عن الصبغة الدينية، فإنها ما وصلت إلى تلك التراتيب التي ضربت بها أطناب الأمن والسكينة، إلا بعد أن فتحت أعينها في نظامات الشرائع السماوية، أو اقتدت على آثار الأمم المتدينة.
وفضائل العبادات أيضاً لها مدخل في انتظام العيش بمعنى: قرار النفس، ورضاها عما سخر الله لها من العيش، وهذا يعتبره الإنسان من نفسه متى نظر إلى حالته، وهو ملتفت بقلبه إلى زخارف الدنيا، وقاسها بحالته إذا أقبل بسريرته على ما يقربه إلى فاطر السموات والأرض؛ فإنه يجد في هذه الحالة من لذة اليقين، وراحة الخاطر ما يكشف له عن كدر كان يمازج قلبه، وحزازة هي أثر القساوة والإعراض بجانبه عن الطاعة، فيرى أن العيش المنتظم على الحقيقة إنما هو عيش الفائزين بهداية الدين علماً وعملاً. وعبر في الآية بالمؤمنين دون الناس؛ لأن الآية مسوقة للحثّ على القيام بعمل، والأعمال إنما يرجى الامتثال فيها من المؤمنين، ولو كان الأمر هنا بواجب من العقائد، لناسبه التعبير بنحو: الناس. وقد قرر بعض المفسرين -فيما أعهده-: أن من عادة القرآن التعبير بمثل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}[البقرة: ٢١] إذا كان المخاطب به مما يرجع إلى أصل من أصول الدين، فإذا كان المأمور به