واستطردنا هنا مسألة اعتراض خبر الآحاد لقاعدة كلية، وأوردنا في مساقها ما ذكره أبو بكر بن العربي في تفصيل مذاهب الأئمة الثلاثة، وهو قوله: إذا جاء خبر الآحاد معارضاً لقاعدة من قواعد الشرع، هل يجوز العمل به، أو لا؟ فقال أبو حنيفة: لا يجوز العمل به، وقال الشافعي: يجوز، وتردد مالك في المسألة، ومشهور قوله، والذي عليه المعول: أن الحديث إن عضدته قاعدة أخرى، قال به، وإن كان وحده، تركه؛ كحديث العرايا؛ فإنه صادمته قاعدة الرب، وعاضدته قاعدة المعروف.
وأتى بنا سؤال من أحد الحاضرين إلى معنى القاعدة ومأخذها، فقلنا: هي قضية تنتزع من دلائل متفرقة في الشريعة حتى تكون قطعية في نفس من استقرأها من المجتهدين؛ كقاعدة: ارتكاب أخف الضررين، فمن مأخذها قوله تعالى:{فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا}[الكهف: ٧٩] فإن إعابة السفينة ضرر، ولكنه أخف من أخذ الملك لها بسلطة غاصبة، ومن منازعها حديث الأعرابي الذي جعل يبول في المسجد، وزجره بعض الصحابة، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزرموه"؛ فإن بوله في المسجد ضرر، إلا أنه أخف من الضرر الذي ينشأ من إمساكه عن البول قبل فراغه.
وجئنا في تفسير:{لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: ١٢٢} على اختلافهم في حرف الترجي الواقع في كلام الله تعالى؛ فإن منهم من يخرجه على معنى التعليل؛ كما ذكره ابن هشام في "مغني اللبيب"، ومنهم من يصرفه إلى المخاطبين؛ كما نقله صاحب "الإتقان" عن سيبويه؛ حيث قال في معنى قوله تعالى:{لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ}[طه: ٤٤]: اذهبا على رجائكما وطمعكما. ويجري على هذا كل ما فيه حرف تَرَجٍّ، نحو قوله تعالى:{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[البقرة: ١٨٩].