للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العربية أن يدركوا وجهاً من إعجازه متى نقلت لهم معانيه الأولية بترجمة محررة.

ثم قررنا عند قوله: {قَوْمَهُمْ} [النساء: ٩٠]: أن إضافة القوم هنا للعموم، ومعلوم أن الجمع المضاف من صيغ العموم، فتفيد الآية: أنهم ينذرون بما تعلموه من الفقه كل فرد من أفراد قومهم، فيبطل ما يزعمه بعضهم من أن لأهل التصوف أحكاماً خاصة يتلقونها بطريق الباطن.

قال أبو إسحاق الشاطبي: لم يشرع الله تعالى إلا ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتلقاه منه الصحابة، ثم العلماء. والتصريح بإبطال أن يكون للعارفين بالله أحكام تخصهم فيه سد لباب الخروج عن تقاليد الشريعة، زيادة على كشفه عن الحقيقة؛ فإن فتح هذا الباب يفضي أن ينبذ كثير من الناس الجادة، بدعوى: أنهم بلغوا درجة الولاية، وأنهم متعبدون بأحكام باطنة، وأهل التصوف الخالص أنفسُهم يصرحون بهذا.

قال الإمام الجنيد -حسبما نقله الزركشي في شرح "جمع الجوامع"-: من لم يحفظ القرآن، ويكتب الأحاديث، لن يقتدى به في هذا الأمر؛ لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة.

ذكرنا استدلالهم بالآية على أن خبر الآحاد حجة، ثم قلنا: اشتهر بين الأصوليين أن خبر الآحاد حجة في العمليات، وأما المسائل العلمية، فلا يتمسك فيها إلا بقاطع، قال الإمام في "المحصول": إن ورد خبر الآحاد في مسألة علمية، وليس في الأدلة القاطعة ما يعضده، رد، وإلا، قبل. واختار الشيخ ابن عرفة أن المسائل العلمية التي لا ترجع إلى العقائد يكتفى فيها بالأدلة الظنية؛ كخبر الآحاد، وإنما يشترط القطع في العمليات الراجعة إلى العقائد الإيمانية.