للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخطاب - رضي الله عنه - في شأن صلاة التراويح: "نعمت البدعة"، فقلت: ذلك الإطلاق ملاحظاً فيه المفهوم اللغوي، وهو معنى المحدث، وأبو إسحاق الشاطبي يراعي البدعة في مقصد الشارع، وقد عرف بعض المحققين البدعة بأنها: ما يفعله الإنسان على أنه قربة، مع عدم ثبوته عن الشارع، وذلك لأن الفعل إنما يصير بأمرين:

أحدهما: النية الفاضلة.

والثاني: موافقته لوضع الشرع وشرطه.

فإذا تجرد عن الأمر الأول، كان عبثاً، وإذا اختل فيه الأمر الثاني؛ بأن أصدره صاحبه في أسلوب لم يثبت عن الشارع، كان بدعة. وبعضهم يتسامح للعامة في كثير من المحدثات يأتونها، ويلتمس لهم المعذرة؛ بأن نواياهم صالحة، وبما تقرر في تعريف البدعة تسقط هذه المعذرة؛ ويتضح أن القصد الجميل وحده لا يقلب العمل طاعة، ونضرب المثل لهذا بما رأيته بعيني من بعض زائري المقام الذي اشتهر أنه يضم قبر خالد بن سنان - عليه السلام -؛ حيث يرى الناظر أفواجاً من العامة يطوفون بشجرة جوار ذلك المقام كما يطوف الحاج ببيت الله الحرام.

وأذكر أني حللت ببعض البلاد، فرأيتهم إذا بلغ الصبي سورة البقرة، أحضروا بقرة، ووضعوا عليها زينة من الحلي، وتتجول بها جماعة في الطرقات العامة، وهم يقتفون أثرها بالدفوف والأذكار، فألقيت عليهم خطبة في البدع، ونصصت فيها على هذه المحدثة، فتلقاها الفضلاء وأهل العلم بالاستحسان؛ لأنهم يشعرون بسماجة هذه البدعة قبل أن أخطب، وقال طائفة من العامة: لو كان هذا أمراً بدعة، لنهانا عنه الشيخ فلان، أو الشيخ فلان -رحمهما الله-.