واستطردنا بمناسبة التعرض لفضيلة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - حديث إذن النبي - صلى الله عليه وسلم - له في الصلاة بالجماعة، وإشارته إليه بعد خروجه - عليه السلام - من حجرته الشريفة بالبقاء في مكان الإمامة، ودرج بنا التقرير على قاعدة تقديم الأدب، أو الامتثال، وفصلنا مجمل ما قاله الشيخ ابن حجر في "فتح الباري"، وهو: أن سيدنا أبا بكر إنما تأخر، ولم يقف عندما أشار إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبقاء؛ لأنه فهم أن إيماءه - عليه السلام - له بالمكث في مكان الإمام من قبيل مجاملة شخصه، وإظهاره عاطفة محبته وحرمته، وإذا كان الأمر من هذا الوجه، فإذا امتثل الصديق، فإنما يستوفي حقاً يعود عليه بالفضيلة وحده، وإذا تأخر، فإنما يسقط حقاً من حقوقه الخاصة؛ بحيث أصبح الأمر بمنزلة الأوامر الواردة للإباحة، فاختار الصديق التأخر؛ إيثارًا لجانب الأدب، وليست هذه الواقعة كقصة امتناع سيدنا علي بن أبي طالب من محو لفظ: رسول الله من صحيفة صلح الحديبية، حين أبي كفار قريش كتابتها؛ فإن الاستدلال بتقديم الأدب على الامتثال هنا ظاهر؛ لأن الأمر بالمحو ليست فيه فائدة تعود على علي بن أبي طالب وحده، حتى يكون عدم امتثاله من قبيل إسقاط ما هو حق له.
قررت هذا، فقال لي أحد الأساتذة: من أين فهم أبو بكر - رضي الله عنه - أن الأمر إنما صدر على وجه الإجلال له، وإظهار فضيلته، دون أن يكون الباعث على الأمر وجه آخر؟ ولم يسنح لي في الجواب وقتئذ سوى أن الدال على ذلك قرينة المقام؛ فإن أمره بالاستمرار على موقف الإمامة، والإمام الأعظم بالحضرة، لا يظهر له وجه سوى الإعلان بكرامته.
انتهينا من الدرس لصلاة العصر، وإثر الصلاة تألفت حلقة لأستاذ مصري يقرئ إزاء المكان الذي كنت أدرس فيه، وتأخر ذلك الأستاذ عن وقته المتعارف